عندما نتحدث عن إمارة دبي، وهي ثاني أكبر إمارة في الاتحاد بعد إمارة أبو ظبي، لا يسعنا إلى أن نتوقف لنسرد التاريخ العريق لأهم معلم وأبرز قلعة عرفها البشر، وهي قلعة أو حصن الفهيدي، والتي تعتبر من المباني القديمة والتي لازالت موجودة حتى يومنا هذا. ونظراً لموقعها الاستراتيجي المميز وسط المنطقة التراثية في بر دبي، فإنّها تمثل حقبة مهمة في تاريخ الإمارة، حيث أنّها تمثل حلقة الوصل مابين الماضي القديم والتطورات الحديثة، والتي تشهدها الإمارات العربية المتحدة بشكل عام، وإمارة دبي بشكل خاص كإمارة من الإمارات السبع للدولة.
تاريخ قلعة الفهيدي
تحتل قلعة الفهيدي مكانة مرموقة، بسبب موقعها المميز في قلب مدينة دبي، وهي تقع في الناحية الجنوبية من خور دبي، ويرجع تاريخ بنائها إلى سنة 1787م، وتبلغ مساحتها حوالي 1535 متر مربع. يقع في جهتها الشرقية الديوان وهو مقر الحاكم، هذا المبنى الذي يتميز بزخارف إسلامية، تشبه المنطقة التراثية المحيطة به، ويقع في شمال القلعة السوق القديم، أمّا في جنوبها وغربها، فنجد المراكز التجارية الحديثة.
وقد كان الهدف من بناء قلعة الفهيدي، هو حماية المدينة من المخاطر والأضرار التي قد تلحق بها من قبل الأعداء، حيث كانت بفترة من الفترات مقراً لحكم الدولة، واستمرت على هذا الحال حتى سنة 1896م، ليتم نقل مقر الحكم إلى منطقة الشندغة، وبعدها تمّ الاستفادة من مكان القلعة في وسط المدينة، لذلك أصبحت مكان للمراقبة، والدفاع عن المدينة، والتنبؤ ومعرفة الخطر قبل وقوعه لاتخاذ الإجراءات الضرورية جرّاء ذلك. وبعد ذلك أصبحت القلعة مكاناً لحفظ الأسلحة والذخائر، وتمّ الاستفادة منها كسجن للمعتقلين.
وحديثاً تمّ فتح قسم جديد داخل متحف دبي، هذا القسم بُني تحت الأرض، وهو ذو عمق حوالي 5.3 متر، ويضم داخله القلعة، وقد تمّ افتتاح المتحف لزيارته لأول مرة، من قبل الجمهور والسياح في شهر مارس/ آذار من عام 1995 م، هذا المتحف الذي يتضمن أعلى التقنيات السمعية والبصرية والعصرية، والتي يتم استخدامها من قبل الزوار، من أجل تصور التاريخ العريق لقلعة الفهيدي، ومعرفة شكل الحياة فيها قبل مئتي سنة مضت، والتعرف على شكل الحياة فيما مضى.
ترميم قلعة الفهيدي
كما ذكرنا عاليه، أنّ الهدف من بناء قلعة الفهيدي هو حماية المدينة من المخاطر والأضرار التي قد تلحق بها من الأعداء، لذا تمّ تشييد سقف القلعة بشكل متين من الحجارة، والسقف مصنوع من جذوع النخل المرتبطة مع الخشب، وتتضمن القلعة ثلاثة أبراج، اثنان دائريان، والثالث ذو شكل مربع، ومبني من الحجارة البحرية المطلية بالجبس. وقد تمّ ترميم هذه القلعة في سنة 1970، من قبل الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم رحمه الله عليه، وقام بافتتاح القلعة كمتحف كامل يتضمن تاريخ وتراث دبي. وتضمّن هذا المتحف جميع التحف الأثرية، من أدوات ومعدات وغيرها، والمصنوعة من الخزف والفخار والنحاس، والتي تمّ إيجادها ضمن القبور والتي يعود تاريخها إلى ما يقارب الثلاث والأربعين ألف سنة سابقة.
وفي عام 1995 تمّ إعادة ترميم جديدة لهذه القلعة، ولم يتم الاكتفاء بالترميم والإصلاح، بل تمّ إنشاء متحف تحت الأرض، وضمّه إلى متحف دبي، هذا المتحف كان الهدف منه توضيح شكل الحياة القديمة لسكان المدينة، من البيوت التي كانوا يقطنونها، شكل الأسواق، شكل المساجد، الحياة الزراعية في الواحات، شكل الزراعة في القديم، والمزروعات التي اشتهروا بها، وأساليب الري القديمة، أي كل ما يتعلق بالحياة القديمة في مدينة دبي.
بالإضافة إلى ما سبق، تمّ الاهتمام أيضاً بعرض الحياة في المدن الساحلية البحرية، مع توضيح نمط الحياة السائد في ذلك الوقت، من خلال المهن المنتشرة بين الناس، وهي الصيد البحري والغوص، وصيد اللؤلؤ وصناعة السفن البحرية. من هنا نلاحظ أنّ المتحف يعرض التطور التاريخي، حسب الحقبة التاريخية للتحفة المعروضة، وهي تبدأ من عصور ما قبل الميلاد، حتى عصر الحضارة الإسلامية وما بعدها. وتعتبر هذه القلعة تخليداً للذكريات القديمة، ولبطولات ستبقى محفورة في أذهاننا جميعاً، ولتتعرف عليها الأجيال القادمة جيلاً بعد جيل.
قلعة الفهيدي كجزء من متحف دبي
في وقتنا الحالي أصبح هناك ترتيب، وعرض جيد للقسم الخاص بقلعة الفهيدي، بشكل مرضي للزوار، حيث أصبح يشتمل على قاعات تحتوي على مجسمات لأبراج القلعة، والأدوات التي كانت تستخدم عبر القرون الماضية، وهناك قسم للآثار القديمة، يتم فيه عرض أدوات ومعدات تعود لأكثر من خمسة آلاف سنة مضت، مروراً بالحضارة الإسلامية. وقد تمّ استخدام التكنولوجيا الحديثة في عمل عروض سينمائية وتلفزيونية، وعمل الأفلام الوثائقية التي تتحدث عن التاريخ القديم لهذه القلعة الأثرية.